المستجدات | اتصال | تصميم الموقع | روابط مفيدة
مستجــــــــــــــــدات
14-11-2012 : مداخلة السيد الوكيل العام للملك فـي الــنــدوة المـنـظمــة بـمـحـكـمـة الاسـتـئـنــاف بتـــازة بـتـاريـــخ 04/10/2012
 

      رهان النجاعة القضائية في مسار الإصلاح

   الشامل والعميق لمنظومة العدالة

 

شكل موضوع إصلاح المنظومة القضائية انشغال مختلف الفرقاء المتدخلين، من مؤسســات رسميـــة : الملك، البرلمان والوزراء، وغير رسمية، ممثلة في الجمعيات الحقوقية باختلاف مشاربها، طيلة العشرية الأخيرة.

ومما لا يختلف عليه اثنان أن الإصلاح القضائي يشكل حجر الزاوية في بناء الصـرح الديمقراطـي الـــذي انخرط فيه المغرب منذ فجر الاستقلال.

ومن ضمن المحاور الأساسية التي جاء بها نص الخطاب الملكي السامي بمناسبة ثورة الملك والشعب بتاريخ 20 غشت 2009 في نطاق المنظور الاستراتيجي لإصلاح القضاء محور الرفع من النجاعة القضائية، وهو محور له أهميته البالغة كباقي المحاور الأخرى باعتبارها في مجموعها محاور تكمل بعها البعض وتؤسس لبناء صلب، تتحقق معه الأهداف الاستراتجية المرجوة في مجال إصلاح القضاء بأسلوب عقلاني ومنهجية حديثة وطموحة.

إن تحقيق النجاعة القضائية يتطلب في اعتقادنا توفر عدة مقومات يتجلى المقوم الأساسي فيها في الآلية القانونية وذلك بتجاوبها مع نبض المجتمع والمتغيرات المتسارعة التي يعرفها.

فإلى أي حد تستجيب الترسانة القانونية الزجرية لهذه المتغيرات ولمنظور الإصلاح القضائي العميق؟ وهل الاقتضصار على المقاربة القانونية لوحدها كفيل بتحقيق النجاعة القضائية المطلوبة؟ أم أن دور المسؤول القضائي يظل حاسما في التنزيل السليم للمقتضيات القانونية وتوجيهها نحو تحقيق قيم العدالة؟

المحور الأول : ضرورة تحيين الترسانة القانونية

ففيما يتعلق بالمحور الأول فإن الممارسة اليومية كشف عن وجود عدة ثغرات في ميدان تطبيقها طالت النصوص والصياغة، وبمحاولة فحص بعض مواد ونصوص القانون الزجري فيما تثيره من صعوبات تجلب الانتباه من زاوية التدبير الرشيد نقف على ما يلي .

فبالتمعن قليلا في المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية من حيث الصياغة باعتبارها مادة محورية لها أثرها الفعال على جميع النصوص، نجدها تمس عمق الطمأنينة التي تسعى إلى تحقيقه العدالة وفق ما تقتضيه المحاكمة العادلة، ويتجلى ذلك في أنها تفسح المجال في البحث والمتابعة باعتماد النظام الاتهامي الذي يبعد المشتبه فيه كثيرا عن زاوية الأمان ويهدد القيم المحمية في أصل البراءة الذي يعتمده النظام التنقيبي في البحث وتوجيه الاتهام ، ذلك أن قرينة البراءة تعني في الأصل أن المشتبه فيه غير بريء وإنما يسري عليه حكم البريء ، ومن تجليات ذلك أن المادة 65 من ق م ج تسمح للضابطة القضائية بمنع أي شخص من الابتعاد عن مكان وقوع الجريمة إلى أن تنهي تحرياتها، بل ان المادة 66 من نفس القانون تخول لها الاحتفاظ بشخص أو عدة أشخاص إذا تطلب البحث ذلك ولها أن تضعهم في الحراسة النظرية وتشعر النيابة العامة فقط.

وفي نفس السياق تخول المادة 76 من ق م ج لأي شخص إمكانية القبض على شخص آخر بمناسبة حالة التلبس، كما أن المادة 93 تسمح بفتح تحقيق حول شكاية لا تدعمها أدلة.

إن صياغة هاته المواد على هذا النحو وارتباطها بالصلاحيات الواسعة الممنوحة لجهات البحث والمتابعة قد يجعلنا أمام مخاطر التوظيف السيء لروح هاته المواد، ويؤدي ذلك إلى الوقوع في التعاطي الذاتي والمزاجي مع الأحداث اليومية التي قد تقع، الشيء الذي قد ينال من مبتغى النجاعة القضائية للنص القانوني مما يقتضي إعادة تحيين صياغة هاته النصوص لجعلها أكثر دقة، مع تقليص هامش السلطة التقديرية الواسعة فيما تجيزه المادتين 65 - 66 من ق م ج.

وفيما يتعلق بالمادة 76 من ق م ج فأنه لا يستساغ منح صلاحيات لأشخاص لا تتوفر فيهم مؤهلات وضمانات الحياد اتجاه الأطراف والخصوم بالسماح لهم بإلقاء القبض على أشخاص آخرين في حالة تلبس والحال أن هاته الحالة موضوع جدال قانوني اختلف فيها الفقهاء فمنهم من يراها حالة عينية وشخصية - الفصل 58 من ق م ج القديم- الذي كان يعتبر التلبس في حالة انجاز الفعل أو فــي حــالـة مــا إذا كان الفاعل ومنهم من يراها حالة شخصية، على اعتبار أن المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية الجديد حصرت حالات التلبس في ضبط الفاعل أثناء ارتكاب الجريمة أو على إثر ارتكابها وفيما إذا كان الفاعل ما زال مطاردا بصياح الجمهور على إثر ارتكابها وفيما إذا وجد الفاعل بعد مرور وقت قصير على ارتكاب  الفعل حاملا أسلحة.... وقد تم حذف الفقرة الأولى التي كانت تتحقق معه عينية التلبس والتي تتجلى في إنجاز الفعل، مما أصبحت معه وفق هاته الصياغة شخصية وليست عينية، يصعب في الميدان العملي على الضابطة القضائية أن تتواجد و أن تعاين الفاعل في كل الجرائم للاستحالة المادية، الشيء الذي يستوجب تدخل المشرع لسد هذا الفراغ بما يجب من نصوص واضحة .

وتوخيا الوقاية من كل ما يهدد القيم المحمية ومن الشطط المحتمل فإنه بات من الضروري على المشرع المراهنة على قواعد إجرائية لا تقبل التأويل تكفل إشاعة الثقة والطمأنينة في كل ما يتعلق بإلقاء القبض وفي ذلك ضمانة لتدبير جيد يضمن المشروعية.

وفيما يتعلق بالمادة 93 ق م ج التي تسمح بفتح بحث في شكاية لا تدعمها أذلة، فالتجرية الميدانية أثبتت أن هاته المادة وفق هاته الصياغة فتحت الباب لمصالح لوبيات الفساد التي لا تألوا جهدا في البحث عن كل السبل بالتشويش والتأثير والضغط لإزاحة السياج الوقائي الذي يحول دون تحقيق تلك المصالح، ومع ذلك فإن الشكاية غير المدعمة بأدلة لا ينبغي إهمالها بل يجب التعامل معها بالحيطة والحذر ومقارنتها مع الوقائع المادية الدالة على صدقها أو كذبها بالتحريات اللازمة وليس بالبحث لتأخذ الشكاية مجراها الطبيعي في الإجراءات الواجبة التطبيق دون اعتبار لغير القانون وموجباته وبعيدا عن الادعاءات والاندفاعات التي تستغل في التماطل والتهديد أو الانتقام أو لتحقيق مصلحة خاصة.

وهكذا يتضح بشكل بارز مدى انعكاس هذه المواد بحكم ما تثيره من احتمال حدوث خروقات تمس الحقوق والحريات تعيق هوامش ومساحات مهمة من عناصر تحقيق النجاعة القضائية وتساهم في دخول أجسام غريبة تفقدها توازنها.

وفيما يتعلق بالسلطة التقديرية الواسعة فجميعنا يسمع هنا وهناك عن بعض المزاجية التي قد تطبع تحديد العقوبات مما يساهم في زعزعة الثقة والطمأنينة في نفوس المتقاضين، ونحن في حاجة إلى صياغة واضحة وإلى نصوص شافية تجعل المتهم والمجتمع على السواء يتوقعون العقوبة التي قد تحكم بها المحكمة اعتبارا لطبيعة الفعل المرتكب، مما يتطلب حصر المقصود القانوني بظروف التشديد أو التخفيف بنصوص لا تقبل استنباط أي ظرف متصل بارتكاب الجريمة أو بإجرام الجاني وتعتبره المحكمة من تقديرها لوقائع النازلة من ظروف التشديد أو التخفيف وذلك بإضافة ما لا يدخل في التجريم القانوني والمعاقبة القانونية وهو ما يؤذي إلى خرق مبدأ الشرعية، مما يفرض على المشرع إعادة صياغة الفصل 152 ق ج وكذلك الشأن بالنسبة للفصل 14 من نفس القانون لإغفاله الإشارة إلى العقوبات البديلة والفصل 16 الذي لازال يحتفظ بعقوبة الإعدام في غير تلاؤم مع ما ينص عليه الفصل 20 من الدستور في الحق في الحياة وكذا الفصل 109 الذي ينص على أن جميع المحكوم عليهم من أجل نفس الجناية أو الجنحة ملزمون بالتضامن في الغرامات والرد والتعويض والصائر وهو ما يعد خرقا لمبدأ الإنصاف والتناسب في تحديد المسؤولية والفصل 45 من الظهير المتعلق بالمحافظة على الغابة لسنة 1917 بقطع النظر عن العقوبات التي يتعرض لها المتهم في جناية أو جنحة أ, مخالفة في إحراق الغابة فإنه يمكن أن تفرض على القبيلة أو القرية غرامة جماعية، نفس الشيء يكرسه الفصل 15 من الظهير المتعلق بإحداث دوائر من أجل تحسين المراعي لسنة 68 ويعاقب من خلال أرباب وحراس الحيوانات رغم عدم ارتكابهم للفعل الجرمي.

وسيرا على نفس النهج في إبراز بعض النصوص والمواد التي لا تتلاءم ولا تحقق النجاعة القضائية فإن المادة الثالثة من قانون المسطرة الجنائية تخول لجهات غير قضائية بتحريك الدعوى العمومية وفي ذلك مسا وخرقا لمبدأ فصل السلط واستقلال القضاء وضمان الحياد الذي تقتضيه النجاعة القضائية، والدليل على ذلك أن المادة 228 من مدونة الجمارك تسمح لأعوانها بمتابعة مجنون وهو ما يشكل انتهاكا لكل القيم الكونية.

وبالنسبة لقضاء التحقيق الذي من المفروض أن يتقمص دور الحكم المحايد حيادا إيجابيا من كشف الحقيقة بواسطة جمع أدلة الإثبات أو الاتهام إلى جانب أدلة البراءة فالمادة 84 من ق م ج قيدت قضاء التحقيق وأخضعته لمبدأ عينية المتابعة لا شخصية المتابعة بمعنى أن يتقيد بملتمس المطالبة بإجراء تحقيق سواء تعلق بالوقائع المعروضة عليه أو الأشخاص المحالين عليه وليس له أن يخرج عن الإطار المحدد له من قبل النيابة العامة خلافا لما كانت عليه المسطرة الجنائية قبل تعديلها من عينية المتابعة لا شخصية المتابعة.

ان مبدأ حياد قاضي التحقيق يقتضي أن يكون مستقلا عن النيابة العامة غير أن الصلاحيات المخولة لهاته الأخيرة تفسح المجال لخرق مبدأ استقلال قضاء التحقيق ومن مظاهره حرية النيابة العامة في اختيار قاضي التحقيق عند تعددهم ، المادة 90 من ق م ج ومن شأن ذلك السماح للنيابة العامة من اختيار من تراه ميالا إلى مسايرة وجهة نظرها، كما يحق لها تقديم ملتمس معلل للغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف لسحب القضية من قاضي التحقيق وإحالتها على قاض آخر للتحقيق المادة 91، بالإضافة إلى أن صفة ضابط الشرطة القضائية التي يحملها قاضي التحقيق تجعله يخضع للإشراف والتعليمات ويظهر هذا الخضوع في أن النيابة العامة تتولى توجيهه وتحديد الوقائع والأشخاص التي سيجرى فيها البحث المادة 84 ق م ج السالفة الذكر.

وبخصوص الاعتقال الاحتياطي، فإن الاعتداء على حريات الأفراد يعتبر من الأمور الخطيرة، مما يتطلب إيجاد حلول عملية لهذه المعضلة، ونقترح للتخفيف منها التفكير في إحداث مؤسسة قاضي الحريات مسايرة في ذلك بعض القوانين المقارانة - فرنسا نموذجا- أو بتفعيل المواد ذات الصلة وجعله قابلا للاستئناف تأسيسا على أنه ما دام المشرع قد اشترط على النيابة العامة في الاعتقال الاحتياطي وجوب اتخاذ قرار معلل طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 47 من قانون المسطرة الجنائية كحماية قبلية، فإن ذلك يؤسس ويمهد لإمكانية المراقبة البعدية التي تتجلى - في وجهة نظري الشخصية - في إمكانية الطعن في قرار الاعتقال الاحتياطي الصادر عن وكيل الملك أو الوكيل العام للملك، ذلك أنه وإن كانت المادة 223 من قانون المسطرة الجنائية التي تحيل على المادة 152 من نفس القانون قد أجازت للمتهم الطعن في جميع الأوامر الصادرة عن قاضي التحقيق، فإنه من الأولى الطعن كذلك في قرارات الاعتقال الاحتياطي الصادرة عن النيابة العامة تأسيسا على الفقرة الرابعة من المادة التاسعة للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الذي صادق عليه المغرب، والتي جاء فيها على أنه " لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى المحكمة لكي تفصل فيه بدون إبطاء في قانونية اعتقاله وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني ".

وهكذا يظهر أن الطعن في قرار الاعتقال الاحتياطي الصادر عن النيابة العامة أمر منشود وممكن انسجاما مع مبادئ حقوق الإنسان، والتزامات المغرب بمقتضيات العهد الدولى، وتماشيا مع أحكام المواد 223 و 225 و152 من ق م ج، والفصل 23 من الدستور.

وبالنظر إلى أن مدة الاعتقال الاحتياطي محددة في ثلاثة أيام بالنسبة لوكيل الملك "المادة 385 مـــــن ق م ج"، وخمسة عشر يوما بالنسبة للوكيل العام للملك "المادة 73 من ق م ج"، فإن مدلولها يخول للنيابة العامة - ما قد يفهم منه نظريا على الأقل تأسيسا على ما تقره المعاهدات والاتفاقيات الدولية في موضوع حقوق الإنسان وحماية الحرية الفردية من تحديد مدة الاعتقال الاحتياطي في أمد معقول، الحق في إمكانية إيداع المشتبه فيه بالسجن مؤقتا على ذمة وقائع محددة لاستكمال البحث على أمل رفع حالة الاعتقال من قبل النيابة العامة لزوال الأسباب التي تأسس عليها الأمر بالاعتقال قبل المتابعة القضائية، ما دام أنه مجرد تدبير استثنائي يمكن الرجوع عنه إذا توفرت أسباب ذلك، مما تبقى معه آليتي الطعن وتسخير مدة الاعتقال الاحتياطي لاستكمال إجراءات البحث ضمانة لها قيمتها من الناحية الإنسانية والعملية سواء لفائدة المشتبه فيه أو للمجتمع، وهي إمكانية متاحة قانونا مسايرة في ذلك التوجه الجديد لمنظور حقوق الإنسان ومقتضيات الدستور.

كما أن التحقيق في ظروف ارتكاب حادثة عادية مميتة لا يقتضي حتما بقاء المتسبب رهن الاعتقال الاحتياطي لعدة أشهر أمام قاضي التحقيق ما دام أنه معرض لعقوبة الغرامة وسحب الرخصة وخصم النقط من رصيد رخصة السياقة.

غير أنه وموازاة مع ذلك في الحالات التي تستوجب الصرامة لتهور المتسبب في ارتكاب الحادثة، فإنه بالإضافة إلى اعتقاله، أصبح من الواجب التفكير في حجز ومصادرة الناقلة باعتبارها أداة ارتكاب الجريمة وهو توجه أصبح معمول به في بعض الدول الأوروبية.

وبالنسبة للمحاضر فقرينة الإثبات في المنظومة الجنائية تعني الحصول على الدليل بكل الوسائل القانونية غير أن المادة 286 م ق م ج قيدت من هذا المبدأ بتنصيصها على أنه يمكن إثبات الجرائم بأية وسيلة من وسائل الإثبات ماعدا في الأحوال التي يقتضي القانون ذلك.

يتبـيـن من هـذه الفقـرة الأخيـرة التي تنـص على  مـا عــدا  ومـن الـمـادة 292 من نفـس المسطرة أن مـــا تضمنته بعض المحاضر من تصريحات لا يمكن استبعاد وتفنيد ما ورد بها إلا عن طريق دعوى الزور، مما يتنافى مع مبادئ العدالة الجنائية وحقوق الدفاع وما تقتضيه النجاعة القضائية من وضوح وشفافية النصوص التي لا تقبل التأويل الذي قد يسيء ويعرقل التطبيق السليم للنص القانوني في الميدان العملي .

وحرصا على شفاية تضمن الرفع من النجاعة عقدت هذه النيابة العامة اجتماعا بتاريخ 15/10/2012 مع السيدين رئيس الأمن الجهوي والقائد الجهوي للدرك الملكي بتازة في موضوع  توثيق المعاينات وتصريحات الأطراف عند تحرير المحاضر من طرف الضابطة القضائية صوتا وصورة في الجرائم الخطيرة التي تكتسي حساسية خاصة ، وذلك بعد أن أثبتت هاته التجربة  نجاعتها خلال الأحداث الأخيرة التي عرفتها مدينة تازة ، والتي كان من نتائجها إعداد محاضر متسمة بالدقة الواجبة ، تعزيزا لوسائل الإثبات ، وحماية للجهات التي تباشر وتسير الأبحاث ، وضمانة للمعنيين بها وتجنبا لأي تشكك لا يبعث على الاطمئنان .

وقد عبر المسؤولان الأمنيان عن ارتياحهما واستعدادهما للانخراط في هذه المنهجية لتوفرهما على الإمكانيات اللازمة لذلك (خلية التصوير لدى الدرك الملكي والشرطة العلمية بالنسبة للأمن الوطني).

وحفاظا على سرية هذه التسجيلات صوتا وصورة فإنه سيحتفظ بها بأرشيفات الضابطة القضائية لاستغلالها كلما دعت الضرورة ذلك ويسري على هاته الإجراءات ما تقتضيه المادة 15 من ق.م.ج من كون الإجراءات التي تجرى أثناء البحث والتحقيق تبقى سرية، وكل شخص يساهم في إجراء هذه المسطرة ملزم بكتمان السر المهني ضمن الشروط وتحت طائلة العقوبات المقررة في القانون الجنائي.

 ولقد سبق لهذه النيابة العامة أن اعتمدت هذه المنهجية التي كان لها أثر فعال في طمأنة جهات حقوقية أرادت خاطئة التشكيك في سلامة الإجراءات المسطرية التي بوشرت في أحداث تازة، إلا أنه بمجرد مواجهتها بالأبحاث صورة وصوتا اطمأنت عن الإجراءات المتخذة  بغض النظر عن وجود جدال وشبه فراغ قانوني عن مدى القيمة الثبوتية لها.

وفي نفس السياق، فقد اقترحت في اجتماع لها مع السيد المدير الجهوي للمياه والغابات ومحاربة التصحر بتاريخ 04/01/2012 ضرورة انخراط إدارته في المخطط الذي رسمته هذه المحكمة للقضاء على المخلف من ملفات التنفيذ الزجري وذلك بمباشرتها عملية التنفيذ اعتمادا على مواردها البشرية واللوجستيكية وتحصيل المبالغ المحكوم بها لفائدتها تفاديا لحرمان خزينة الدولة من مداخيل هامة، تأسيسا على مقتضيات المادة الثالثة من مدونة تحصيل الديون العمومية باعتبار أعوان المياه والغابات من الأعوان المحاسبين للمؤسسات العمومية مكلفين بالتحصيل بالنسبة لديونهم.

وبمجهودات ميدانية من جميع أعضاء هذه النيابة العامة -نواب الوكيل العام للملك وأطر وموظفي كتابة النيابة العامة- أسفرت عن نتائج مرضية حققت أهدافها المتمثلة في دراسة ومعالجة وتصفية المخلف لديها ولدى الضابطة القضائية ولم يبق لذى هذه الأخيرة في البحث إلا النزر القليل من الشكايات والمحاضر لا يتعدى في مجموعه العشرين، مما أصبحت معه هذه النيابة العامة تعمل بصفة فورية وآنية لكل ما يرد عليها سهل بذلك التتبع والمراقبة باعتماد أسلوب تقديم الحصيلة اليومية بما يضمن مراقبة النيابة العامة لنفسها بشكل تلقائي، الشيء الذي ساهم في انتقالها للعمل وفق منهجية تأطيرية وفورية، بالاستماع إلى الأطراف المشتكية، والشهود أمامها، بدلا من الضابطة القضائية، حرصا منها لوضع الشكاية في إطارها القانوني من حيث تحديد الوقائع والاختصاص، وباعتباره تأطيرا للضابطة القضائية في حصر الجانب القانوني في الشكاية دون الالتفات إلى كل ما ليس له علاقة بالقانون، مما بعث على اطمئنان وارتياح المتقاضين ومساعدي القضاء.

ومزيدا من الحرص على تحقيق ما تقتضيه النجاعة القضائية من تبسيط الإجراءات، تفاديا لازدواجية الإجراءات وتدبير الوقت واستغلاله وترشيد الموارد البشرية، فقد  عملت على التفكير في توحيد عمل كتابة الضبط الزجرية، وسبق لها أن صاغت تصورا حول توحيد عمل كتابة الضبط بالمكاتب الجنحية، وجهت نسخة منها إلى وزارة العدل.

والأمثلة كثيرة لا يسع الحيز الزمني المخصص لهذه المداخلة من إثارتها واستعراض باقي المواد التي تحتاج إلى تدخل المشرع لملاءمتها مع ما يقتضيه الدستور في باب الحكامة الجيدة.

المحور الثاني : دور  المسؤولين القضائيين   في تحقيق النجاعة القضائية.

مما لا شك فيه فإن دور المسؤول القضائي يعتبر محوريا في ضمان النجاعة القضائية على مستوى المؤسسة التي يشرف عليها، بقدر امتلاكه لمؤهلات ومواصفات ومناهج العمل المستلهمة من التجارب الناجحة، مما يحيلنا إلى استعراض أهم النقط في إطار تحقيق النجاعة القضائية تتمثل أولاها في :

المهام الأساسية للمسؤول القضائي

مهام رسمية : تشمل التخطيط والتنسيق بين أطراف العمل وأجنحته وتوجيه جميع الموظفين للسير باتجاه الأهداف الأساسية والحث على الأداء بأعلى مستوى من الكفاءة وتشكيل شبكة من الاتصالات العمودية والأفقية والمتابعة والإشراف .

و يعد بناء فريق عمل ناجح أحد أهم مهام المسؤول القضائي ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من المسؤولين القضائيين بحثهم عن مرؤوسين يتوافقون مع توجهاتهم ووجهات نظرهم.

التجربة أثبتت أن الفريق الفعال هو الذي يضم أشخاصا مختلفين يحمل كل فرد منهم على سمات وصفات مستقلة عن الأخر، يعتمدون في عملهم على المبادرة والابتكار يؤمنون بأهمية الانجاز الحاسم والسريع وجمع المعلومات والتأني قبل إصدار القرارات بصبر وحذر ودراسة الموقف جيدا قبل الحسم مع الاهتمام بسير العمل بطريقة منتظمة والابتعاد عن النمطية والروتين لتنشيط روح العمل والانجاز، وفي طريقة العمل يجب أن نميز بين السلوك والنية، إن السلوك قد يكون سيئا أو خاطئا بينما تكون النية سليمة، لذلك فإن كل سوء متوقع من هذا النوع من الموظفين أو القضاة يجب عدم ترجمته على أنه تعنت بل افتراض دائما حسن النية ويجب مساعدته وتهيئته وتأطيره للتغيير لإعادة النظر في مواقفه وتغيير سلوكه.

-      تحديد عناصر الفريق يستحسن أن يكون محدد في عدد لا يتجاوز 05 أفراد

-      تحديد مؤهلات أعضاء الفريق مع مراعاة التكامل بين المؤهلات المتوفرة لدى أعضاء الفريق

-      التسمية

-      وضع بطاقة شخصية لكل عنصر من أفراد الفريق تتضمن المعلومات الشخصية بالإضافة للمؤهلات، مع قائمة لمسار نشاط عمل العنصر داخل الفريق وذلك لتحديد مدى تطور أداء العنصر داخل الفريق.

مهام غير رسمية: تشمل الحماس والاتصالات الدائمة بالأطراف الفاعلة ومشاركة العاملين في اتخاذ القرارات الإدارية وبحث مشكلات العمل ومعالجتها ووضع الحلول الناجحة لها بروح جماعية متوحدة، وتمثل القيم والمثل الإنسانية والأخلاقية في التعامل، وتبصر الأهداف العامة وربطها بأهداف المجتمع، ومعالجة المشكلات الإدارية في إطار الأعراف العامة والمهارة في تظيم الوقت وإدارته.

صفات المسؤول القضائي

 الصفات الشخصية

·       السمعة الطيبة والأمانة والأخلاق الحسنة

·       الهدوء والاتزان في معالجة الأمور والرزانة والتعقل عند اتخاذ القرارات.

·       القوة البدنية والسلامة الصحية.

·       المرونة وسعة الأفق.

·       القدرة على ضبط النفس عند اللزوم.

·       المظهر الحسن.

·       احترام نفسه واحترام الغير.

·       الإيجابية في العمل.

·       القدرة على الابتكار وحسن التصرف

أن تتسم علاقاته مع زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه بالكمال والتعاون.

الصفات الإدارية

تشمل المهارات والقدرات الفنية التي يمكن تنميتها بالتدريب، وأبرزها ما يأتي :

·       الإلمام الكامل بالعلاقات الإنسانية وعلاقات العمل.

·       الإلمام الكامل بالأنظمة واللوائح المنظمة للعمل

·       القدرة على اكتشاف الأخطاء وتقبل النقد البناء

·       القدرة على اتخاذ القرارات السريعة في المواقف العاجلة دون تردد.

·       الثقة في النفس المبنية على الكفاءة العالية في تخصصه واكتسابه ثقة الغير.

·       الحزم وسرعة البت، وتجنب الاندفاع والتهور.

·       الاصغاء وتجنب الاستئثار بالرأي أو السلطة

·       القدرة على خلق الجو الطيب والملائم لحسن سير العمل

·       المواظبة والانتظام حتى يكون قدوة حسنة لمرؤوسيه

·       سعة الصدر والقدر على التصرف ومواجهة المواقف الصعبة

·       توخي العدالة في مواجهة مرؤوسيه

·       تجنب الأنانية وحب الدات وإعطاء الفرصة لمرؤوسيه لإبراز مواهبهم وقدراتهم.

مناهج وأسلوب العمل

يتحدد أسلوب ومنهج العمل أساسا في :

أولا : تشجيع المبادرة والاقتراحات الجادة.

ثانيا : التشارك في التعاطي مع القضايا المطروحة.

ثالثا: تحديد الأدوار بين عناصر فريق في إطار من التكامل والتعمل والانسجام.

رابعا: التحفيز الإيجابي المعنوي الإيجابي يأخذ طابع التثمين للمبادرات والتنويهات والاقتراح لتحمل المسؤولية، وإدارة بعض الملفات الحساسة، مع هامش أوسع للمبادرة.

خامسا : تنمية روح الانتماء للمؤسسة عبر خلق التنافسية بين أعضاء نفس الفريق وكذا بين المؤسسة المشرف عليها وباقي المؤسسات الشبيه.

سادسا: ترسيخ التضامن بين مكونات الفريق في إشاعة روح التواصل الاجتماعي والأخلاقي عبر أنشطة موازية (رياضية، ثقافية، ترفيهيه).

آليات العمل:

يتم الاعتماد في آليات العمل على أسلوب :

أولا : الاجتماع أو الاجتماعات الدورية والاستثنائية، حيث تتاح الفرصة للتداول في القضايا شكل أوسع بما يمكن تقليص هامش الخطأ في اتخاذ القرار المناسب.

ثانيا : اعتماد أسلوب الخلايا لإدارة الأزمات التي قد تنشب بين الحين والآخر بين أعضاء وعناصر الفريق وكذا الأزمات التي تتخبط فيها المؤسسة التي تشرف عليها.

ثالثا : الحسم في اتخاذ القرار وذلك بالابتعاد عن كل ما من شأنه التماطل وإطالة النقاش حول قضية معينة وذلك لضمان استمرار أداء المرفق أو المؤسسة لعملها.

رابعا: تنمية قدرات عناصر الفريق الذي يشرف عليه عبر التكوين المستمر، وتجديد الأفكار وطرح المستجدات للتشجيع على الابتكار والكتابة عبر مقالات تتناول مجال تدخل المؤسسة.

وهكذا يتبين كما مر معنا أن الإصلاح العميق والشامل لمنظومة العدالة متوقف على ما هو مرتبط بالمواد والنصوص القانونية التي يجب إعادة صياغتها وتحيينها بما يتلاءم مع روح الدستور، وما هو مرتبط بالمناهج العلمية الحديثة، ومن مؤهلات ومهارات في القدرة على التنظيم والتسيير الجيد لتحقيق الأهداف المنشودة .

من إعداد

الأستاذ الفهمي بوزيان الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بتازة

بتاريخ 04 أكتوبر 2012


رجوع



موقع وزارة العدل والحريات
المستجدات | اتصال | تصميم الموقع | روابط مفيدة
© 2009 - Cour d'appel de Taza - Ministère de la Justice